الشيخ حسين العايش * - 28 / 1 / 2008م - 11:46 م
القسم الثالث: المنهج الأموي في مواجهة الإسلام و الأمة لا زال الكلام موصولاً حول انتهاكات الأمويين التي مثلَّت تخطيطاً مدروساً للقضاء على أُسس الإسلام، وكان الإمام الحسين
يشير إلى أنّ هذه الانتهاكات لابد من الوقوف في وجهها لئلا يتمادى الأمويون بعد ذلك ويُرغِمون الناس على ترك الإسلام قسراً.
الانتهاكات القانونية للمنهج الأمويوقد استعرضنا بعضاً من تلكم الانتهاكات في رسالة وجهها الإمام الحسين إلى معاوية، ونواصل ذكر هذه الانتهاكات: أولا: خرق الأحكام الشرعيةمن الانتهاكات التي ذكرها الإمام
لمعاوية قوله: «أو لست المدعي زياد ابن سمية، المولود على فراش عُبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله
: «الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر»، من المعلوم أنّ من القوانين التي ترجع إلى مسائل النكاح، نسبة الأبناء لآبائهم، ومن تلكم المسائل قضية زياد ابن أبيه، الذي لا يعرف أبوه، وقد اجتمع على زياد عِدةٌ من الرجال، كلٌ يدعي أنه ابن له، ولذلك سمي زياد ابن أبيه، لكونه مجهول الأب، لادعاء أكثر من شخص بأنه هو الذي وطأ أمه فأولدها بزياد، فأمه زانية في الاصطلاح الشرعي، غير أنّ معاوية بعد أن استتب له الأمر، كان في حاجة إلى شخصية تتمتع بمهارات قيادية كبيرة، وتوافرت هذه المواصفات في زياد بن أبيه، غير أنّ مشكلته في نسبه المجهول، وكان العرب ولا زال ديدنهم الافتخار بالنسب إلى يوم الناس هذا، وإنْ خفّ ذلك، وأبناء الزنا رتبتهم أقل في المجتمعات، ومع كون زياد يتمتع ببعض المواهب فيريد أن يثبت أنّ أباه أبو سفيان والد معاوية، على حساب انتهاك قانون شرعي في باب النكاح، في أنّ الولد ينسب لأبيه الذي ولدته أمه على فراشه، ولا ينسب لغيره.
حقيقة نسب زياد:وزياد بن أبيه وُلد على فراش عُبيد ثقيف كما يقول الإمام الحسين
، غير أنّ معاوية - لما رأى أنه يتمتع بقدرات قيادية وليس لديه ضمير وعنده استعداد لانتهاك الحرمات، لنقص نسبه - ألحقه به، ورأى فيه غنيمة باردة، فأدعى أنه أخوه، وبعد ادعاء الأخوة انضم إلى جنبه، ونفذ له كل ما يريد، فأصبح زياد آلةً طَيِّعة في تحقيق ما يريده معاوية، ومارس البطش والقتل والأخذ على الظنة والتهمة، فبمجرد أن يظن في شخص أنه يوالي علياً وأهل البيت
يقتله، فضلاً عما إذا كانت هناك أدلة على موالاة أهل البيت
فيؤخذ بجريرته بنحو أعظم وأكبر.
ثانياً: ترك سُنة النبي الاكرم:ويقول الإمام الحسين
لمعاوية: «فتركت سنة رسول الله
تعمداً واتبعت هواك بغير هُدىً من الله، ثم سلطته على العراقين»، يقصد من العراقين تأميره على البصرة والكوفة، باعتبارهما أهم مدينتين في العراق أُبان تلك الفترة، وكان تعامل زياد مع المسلمين بطريقة وحشية عبّر عنها الإمام الحسين
بقوله: «يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ويُسمِل أعينهم»، فكان زياد يبطش من أجل بقاء حكومة ديكتاتورية من الطراز الأول، وإن حاول بعضٌ أن يصف معاوية بأنه حليم، إلا أنّ هذا ليس بحلم، حتى لدى من عاصر معاوية، فعندما قيل للحسن البصري بأنّ معاوية حليم، قال وهل أغمد سيفه فترة من الزمان حتى يتمتع بالحلم، فمعاوية لا يقتل بنفسه، لديه أعوان في مملكته يمارسون أفضع الجرائم والانتهاكات في حق الإنسان، كذا كان معاوية الذي يُدّعى حلمه، فممارسات ولاته كزياد كانت في غاية البشاعة، «ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وُيسمِل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك»، فالإمام
يبين أنّ من يفعل ذلك ليس هو من أبناء هذه الأمة وليست الأمة منه.
ثالثاًً: قتل الموالين للإمام عليويقول
: «أو لست صاحب الحضرميين - مسلم بن زيمر وعبد الله بن نجي - الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي، فكتبت إليه أن اقتل من كان على دين علي، فقتلتهم ومثَّل بهم بأمرك، ودين علي - والله - الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك»، فهو
يوضح إحدى الجرائم التي ارتكبها معاوية حيث أرسل له زياد في الرجال الذين لديهم ولاء عميق لعلي
، والولاء لعلي
ورد في القرآن الكريم
﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾(الشورى:23)، ومن الطبيعي أن يكون المسلم موالياً لعلي وآل علي، فمن يمتثل القرآن في حب الإمام علي
يتعرض للانتهاك، فعندما كتب زياد لمعاوية في شأن من كان على دين الإمام علي
، أمره بقتلهم من دون مراجعته، ولم يكتفِ بالقتل بل، «مُثِّل بهم بأمرك»، لكونهم على دين الإمام
«الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك»، ولولا الإمام علي
وقتاله لما جلست مجلسك الذي جلست عليه، «وبه جلست مجلسك الذي جلست فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين»، أي، أقصى ما كان لدى العرب قبل مجيء النبي ص وجهاد المجاهدين وأبرزهم أمير المؤمنين
، لكان أشرف ما لدى العرب رحلة الشتاء والصيف،
﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ • إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف ﴾(قريش:1،2)، فكان شرف العرب وتقدمهم اقتصادياً رحلة الشتاء والصيف فحسب، وكان دين المصطفى
ودين علي
وجهاد البررة هو الذي أعطى الشرف للعرب جميعاً بما فيهم معاوية.
رابعاًً: نقض المواثيق.ويواصل الإمام
قائلاً: «ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقُتلوا ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا»، فالقتل هنا ليس لشخص قاتَل ثم قُتل وليس بينك وبينهم حرب، فقتلهم خدعة وانتهاك للمواثيق، والإمام
يؤكد على المخطط الأموي في استئصال من يسير على جادة الصواب ويوالي أهل البيت
، «ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا»، فهؤلاء كانوا من الموالين العمليين، أي، أنّ ولاءهم ليس عاطفياً، بل يظهرون ولاءهم لأهل البيت
بنحو عملي، ويبين
لمعاوية أنّ كل الجرائم والانتهاكات التي قام بها كانت للحفاظ على ملكه، وكان بإمكانه أن يحافظ على سلطانه دون هذه الجرائم، إذ أنّ هناك حكومات استتب لها الأمر دون أن تقترف جرائم وانتهاكات، فهل مجرد أنّ هؤلاء أظهروا الولاء بنحو عملي لأهل البيت
ومارسوا الإعلام بنحو ظاهر يستحقون الإبادة والاستئصال ؟! مع أنّ الأمة الإسلامية أُمرت بولاء أهل البيت
، «قتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يُدركوا»، أي، كان بإمكانك أن تستمر في ملكك إلى أن ينتهي بك الأجل دون أن يتأتى لهم أن يصلوا إلى الملك، أو ماتوا قبل أن يصلوا إلى الحكم.
نتيجة انتهاكات معاويةثم يقول
: «فابشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنة وقتلك أولياء الله على التهمة»، هذه الانتهاكات - التي مارسها معاوية وأعوانه كالمغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه - لن ينساها الله تعالى وينتظرهم العذاب جميعاً.
خامساً: تهجير من يتولى الإمام علي:قال
: «ونفيك أوليائه من دورهم إلى دار الغربة»، فمن الأمور التي مُورست تجاه من يوالي أهل البيت
التهجير إلى أماكن أخرى لا توالي أهل البيت
، فمعاوية يمارس عملية تغيير ديمغرافي، وهذا التغيير في التركيبة السكانية من وجود أكثرية توالي أهل البيت
إلى أن يكونوا أقلية.
النظريات الإسلامية في الحكم:ثم يقول
: «وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام ٍحدثٍ»، وهذه نهاية المطاف حيث الطامة الكبرى باستخلاف يزيد، وهنا نُذكر بالنظريتين المختلفتين للحكم في الإسلام، نظرية البيعة التي يؤمن بها العامة، ونظرية النص التي يؤمن بها أتباع أهل البيت
، فنظرية النص هي نظريتنا الواضحة التي تقول: أنّ النبي
نص على الأئمة من أهل البيت
إلى الإمام المهدي
، أما نظرية البيعة فتدعي أنّ الأمة تُركت هملاً، ولم ينص النبي
على خليفة من بعده، وبالتالي، لابد لأهل الحل والعقد من الأمة أن يبايعوا شخصاً يرونه كفؤاً، ثم يصبح خليفةً على المسلمين.
معاوية يخالف الأمة في الاستخلاف: وعندما نتأمل بيعة معاوية ليزيد نجدها قد خرقت كلتا النظريتين، فلا نص عليه ولا على ابنه يزيد، ولم يتفق أهل الحل والعقد على مبايعة يزيد، بل جميع الأمة حتى كبار شخصيات الأمويين لا تريد يزيد.
أسباب عدم صلاحية يزيد للخلافة:
فيزيد يمثل مسألة غاية في الخطورة، حتى للأمويين، الذين يمثلون حزباً، يقوم على أساس برغماتي، أي، أنّ هدفه الأساس الحفاظ على مصالحه بأي وسيلة من الوسائل، لذا، نجد مروان بن الحكم يعترض على معاوية اعتراضاً شديداً لاستخلاف يزيد، ويبين أنّ الناس لا يرضون به من ناحية، ويُشكل خطورة كبيرة على إنجازات الأمويين التي تحققت ضد الإسلام من ناحية أخرى، فهذا رأي لأحد كبار الأمويين، كما أنّ شخصية يزيد لم تكن خافية على الناس، فكان يظهر متجاهراً بمخالفة أحكام الإسلام على مرأى ومسمع من المسلمين، ويصرح بعدم إيمانه بالإسلام، ويعتبره لا قيمة له، فقد تمثّل بقول الشاعر:
السلوك العملي ليزيد:ويقول
: «وأخذك الناس ببيعة غلام حدث، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب»، فيزيد شخص في أوائل عمره، ليس لديه تجربة ونضج، وهو يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، فهو شاب مستهتر بجميع القيم الإسلامية والأخلاقية.
عواقب استخلاف يزيد:ويواصل الإمام حديثه عن انتهاكات معاوية ليصل إلى تعداد العواقب الوخيمة لاستخلاف يزيد وهي: الأول: خسران الدين قال
: «لا أَعلمُك إلاّ وقد خسرت نفسك وبترت دينك»، الخسارة الكبرى لمعاوية هي قطع الانتماء إلى الدين الإسلامي، وبتر ما يمت بينه وبين الإسلام بصلة.
الثاني: غش الناس يقول
: «وغششت رعيتك»، أي، جعلت الرعية يعيشون في تيه وضلالة.
الثالث: خيانة الأمانةقال
: «وأخربت أمانتك»، فالحكم أمانة لدى الحاكم، لا بد أن يُسلِّم الحكم لمن يحمل مؤهلات خاصة، وما قام به معاوية خيانة للأمانة إذ سلّمها لمن لا يستحقها.
الرابع: استشارة السفهاءيقول
: «وسمعت السفيه الجاهل»، الخطأ الفادح هو استشارة غير المخلصين والمتملقين، كالمغيرة بن شعبة، الذي يتزلف لمعاوية، كي يُبقيه والياً على الكوفة، فقد أشار المغيرة باستخلاف يزيد، ومع أنّ معاوية لم يكن مرتاحاً من المغيرة إلا أنّ مشورته اتفقت مع ما يريده ويطمح إليه.
الخامس: إخافة الناسقال
: «وأخفت الورع التقي لأجلهم»، الإمام
يبلور تعامل الأمويين في إخافة الناس وإرعابهم لأجل تحقيق مقاصدهم.
نتائج الثورة الحسينية:إذن ثورة الإمام الحسين
رسخت مبادئ الإسلام وأصبح كما ذكر الحديث، «حسين مني وأنا من حسين»، أي، أنّ خلود النبي
وخلود الرسالة بثورة الإمام الحسين
، وهناك انتهاكات أُخر للأمويين غير أننا أوردنا بعض الانتهاكات التي وردت في رسالة الإمام الحسين
لمعاوية، لأنّ هذا النص يُذكِّر المؤمنين والشرفاء بقضية الصراع بين المبادئ والقيم وبين البعد عن الحق.
شبكة راصد الاخبارية