أكد سماحة الشيخ حسن الصفّار أن العائلة في العصر الحديث فقدت دورها في تربية الناشئة بأنانية الوالدين، ولهثهما وراء متطلبات الحياة. مضيفاً أن ذلك من أهم الأسباب وراء الحالة التي تعيشها الكثير من المجتمعات البشرية حيث تعج بالجرائم والانحرافات. وأكّد على أهمية الدورات التي تعني بتوعية الأسرة في مجالات التربية المختلفة. وسلّط الضوء على تربية الرسول الأعظم للإمام الحسين
مؤكداً أن شخصية الإمام الحسين
هي ثمرة وإنجاز تلك التربية النبوية، بما أولاه من إشباعٍ عاطفي، وتربية وتعليم، وتأكيدٍ لشخصيته من خلال المشاركة الفاعلة في الشأن الاجتماعي العام، مشبعاً الموضوع بالأحاديث المتواترة والكثيرة في هذا الجانب. وسلّط الضوء على أهمية موضوع التربية ودور الأسرة المهم في هذا الجانب.المحور الأول: التربية وصناعة الإنسان
وأوضح سماحة الشيخ الصفار في بداية المحاضرة الأولى لموسم المحرم الحرام لعام 1429هـ أن الطفل بمثابة الصفحة البيضاء، أو الأرض الخالية، اقتباساً من كلام أمير المؤمنين
: ((وأما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيءٍ قبلته)). وأكد أن التربية والتنشئة وخصوصاً في السنوات الأولى من عمر الإنسان هي التي تُشكل شخصيته، جاء في الحديث: ((كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه أو يُمجّسانه)).
وأشار إلى مشكلةٍ تواجه المجتمعات البشرية في العصر الحاضر، حيث ضعف دور العائلة في تربية الناشئة، وعزى ذلك لعدة أسباب منها: قوة الحالة الذاتية (الأنانية) في نفس الإنسان المعاصر، وحالة اللهث لدى الأبوين وراء تحقيق أكبر قدر ممكن من متطلبات الحياة المعاصرة. والبديل عن تربية الوالدين، كما يقول الشيخ الصفار، دور الحضانة، أو الخادمات، متسائلاً: هل أن الخادمة أو الحضانة تقوم بذات الدور الذي تقوم به الأم تجاه الأولاد؟ مجيباً: بالتأكيد، كلا! ولا أحد يُجيب بخلاف ذلك. ومن البدائل التي يلجأ إليها الوالدان استخدام التقنية الحديثة كالحاسب الآلي، وأجهزة التلفاز لإشغال الأولاد، وفي ذلك مشكلة كبيرة حيث أن الكثير من البرامج تتضمن أفكاراً غير سليمة إن لم تكن هدّامة، إذ تُرسّخ بعضها حالة العنف لدى الناشئة.
وأشار إلى تقرير يتحدث عن انتشار المخدرات في أفغانستان، تناقلته صباح اليوم بعض الفضائيات حيث يؤكد أن هناك أكثر من مليون مدمن للمخدرات، ويعود السبب كما يشير التقرير، أن الأمهات في القرى يعملن في حياكة السّجاد، وحتى يتفرّغن للعمل يقمن بإعطاء أطفالهنّ جرعات من الهروين لكي يناموا، مما جعلهم يُدمنون من صغرهم.
وأشار إلى أن هناك حديثاً صريحاً للعودة للمنزل وممارسة دور التربية من قبل العديد من النساء الأمريكيات، حيث أشارت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 8/3/2006م إلى عودة (6) ملايين امرأة أمريكية للبيت، وفي ذلك إشارة إلى وعي تلك المجتمعات بأهمية هذا الجانب، رغم أنه أثار جدلاً كبيراً بأن هذا يعني تخلي المرأة عن المكاسب الكبيرة التي أنجزتها من خلال دورها الاجتماعي.
وخلص إلى أن مشكلة ضعف الدور العائلي في مجال التربية والتنشئة، هو من أهم الأسباب وراء الحالة التي تعيشها الكثير من المجتمعات البشرية حيث تعج بالجرائم والانحرافات. مؤكداً ضرورة التركيز على هذا الجانب من جهة، وعلى ماهيته من جهةٍ أخرى، حيث أن ممارسة التربية دون إتقان لا يؤتي الثمار المرجوّة منها. وهنا تكمن أهمية الدورات التي تعني بتوعية الأسرة في مجالات التربية المختلفة.المحور الثاني: التربية النبوية للإمام الحسين
أكد سماحة الشيخ الصفار أن شخصية الإمام الحسين
العظيمة إنما هي ثمرة للتربية النبوية المباركة، حيث كان رسول الله
يغدق الحنان والعاطفة والرعاية اللامتناهية على ولديه الحسنين، وقد أعلن عن ذلك في كثير من الأحاديث النبوية، كقوله
: ((حسينٌ مني وأنا منه، أحبّ الله من أحبّ حسينا)). وأضاف: هذه الأحاديث المتواترة إضافةً إلى أنها تهدف إلى إبانة فضل ومكانة الإمامين الحسن والحسين، فهي في ذات الوقت تُعطينا النموذج الأصح والأفضل للتعامل مع الأبناء.
وأشار الشيخ الصفار إلى عدة نقاط نستلهما من الأحاديث النبوية حول مكانة الإمام الحسين
، واهتمام الرسول
بتربيته:
أولاً- أهمية الإشباع العاطفي، ففي الحديث عن رسول الله
: ((إن نظر الوالد إلى ولده حباً له، عبادة)).
وأكد أن نقص الإشباع العاطفي للأولاد يؤدي بهم إلى الانحراف، وتعرّض لدراسة أجريت على دور الرعاية الاجتماعية للفتيات في الرياض، إذ تقول هذه الدراسة بأن (87)% من الفتيات اللاتي تحضنهن هذه الدور ممن وقعن في أحضان الجريمة والفساد هنّ ممن لم يتوفر لهنّ الإشباع العاطفي الكافي، كما نقلت ذلك جريدة الاقتصادية بتاريخ 18 صفر 1428هـ.
ثانياً- إتاحة المجال للعب، مشيراً أن ممارسة اللعب تسهم في إثراء خيال الطفل، إضافة إلى الجانب الصحي للطفل، وما توفره من ترويح عن النفس، والأحاديث النبوية تدعو لذلك، ففي الحديث: ((دع ابنك يلعب سبعاً)). ونقل شواهد عن مشاركة رسول الله
للحسنين في لعبهما.
ثالثاً- التعليم، حيث كان رسول الله
بنفسه يرعى تعليم ولده الحسين
فقد علّمه سورة التوحيد، وفي إطارٍ آخر نهاه عن أكل الصدقة.
رابعاً- المشاركة في الجانب الاجتماعي، فقد قام رسول الله
بإشراك الإمام الحسين
في الوضع الاجتماعي العام رغم صغر سنه، تعزيزاً لشخصيته ومكانته، فقد أشركه في المباهلة، وبايعه رسول الله
كما بايع الكبار.
وأكد الشيخ الصفار أن رسول الله
كان لا يتحمل بكاء الإمام الحسين، وكان إذا مرّ على منزل ابنته فاطمة
وسمع الحسين يبكي، يقف ويقول لابنته: يا فاطمة أسكتيه، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.
والحمد لله رب العالمين.